بقلم الدكتور خالد السلامي
في صباحٍ عربيّ يشبه الندى—خفيفًا، ولكنّه يوقظ—تتفتّح آلاف المبادرات الصغيرة: شتلات تُغرس في أطراف المدن، رحلات إغاثة تشقُّ الصحراء، فرقٌ تُنظّم فعالياتٍ ثقافية وصحية، وأيدٍ—كثيرة جدًّا—تمتدّ لتقول: “لسنا وحدنا”. هكذا يبدو اليوم العربي للتطوع كل عام؛ يومٌ يذكّرنا بأن المجتمع ليس فكرةً مجردة، بل شبكة من الأفعال الصغيرة المتتابعة التي تحرس المعنى.
ما هو اليوم العربي للتطوّع؟ ولماذا 15 سبتمبر تحديدًا؟
اعتمد أعضاء الاتحاد العربي للعمل التطوعي في يونيو 2005 يوم 15 سبتمبر مناسبةً سنوية للاحتفال بالعمل التطوعي عربيًا، بينما تعود جذور الاتحاد نفسه إلى عام 2003. ومنذ ذلك التاريخ تُقام احتفاليات وندوات وتكريمات، ويُعاد طرح سؤال: كيف نجعل التطوع عادةً مجتمعية لا “موسمًا” جميلًا ثم يمضي؟
تأكيدًا لهذا المعنى، تصف تغطيات صحفية وإفادات مسؤولين في الدوحة 15 سبتمبر بأنه الموعد الثابت لليوم العربي للتطوع، مع إبراز دور الاتحاد العربي للعمل التطوعي في ترسيخ هذا التقليد.
ولكي نضع اليوم العربي في سياقه العالمي: الخامس من ديسمبر هو اليوم الدولي للمتطوعين الذي أقرّته الأمم المتحدة بقرار الجمعية العامة رقم A/RES/40/212 في 17 ديسمبر 1985؛ أي أن 15 سبتمبر عربيًّا يكمل صورة عالمية أوسع للاعتراف بقيمة التطوع.
التطوّع بالأرقام: موارد بشرية واجتماعية… واقتصادية أيضًا
قد يبدو التطوع “ناعمًا” في ظاهره، لكنه صُلبٌ من الداخل. أحدث تقديرات برنامج متطوعي الأمم المتحدة (ضمن تقرير حالة التطوع في العالم 2022) تُظهر أن نحو 15% من السكان في سن العمل—ما يقارب 862 مليون شخص—يتطوعون شهريًا. الغالبية يفعلون ذلك بصورة غير رسمية (مباشرة بين الأفراد)، بينما يشارك آخرون عبر منظمات وجمعيات. هذه أرقام ضخمة، والأهم أنها ثابتة نسبيًا عبر السنوات رغم الأزمات.
أما من زاوية القيمة الاقتصادية، فثمة تقديرات أممية/دولية سابقة تُشير إلى أن مساهمة العمل التطوعي عالميًا توازي نحو 2.4% من الاقتصاد العالمي—تقدير تقريبي، لكنه يضيء الفكرة: ما لا يُحتسب لا يُحتفى به. (المدونة الإحصائية لمنظمة العمل الدولية أوضحت ذلك ببيانات وإسقاطات منهجية).
ورغم هذا الزخم، لا تزال المقارنة بين الدول صعبة بسبب تفاوت أدوات القياس؛ لذلك دفعت منظمة العمل الدولية ومعها برنامج متطوعي الأمم المتحدة إلى تبنّي أدلة ومعايير موحّدة لقياس العمل التطوعي بحيث يُحتسب بدقة ويُدمج في صنع السياسات العامة.
خرائط التأثير: نماذج عربية حيّة
الإمارات: بنية رقمية تنظّم الشغف
أنشأت الإمارات منصة وطنية للتطوع (Volunteers.ae) لتجميع الفرص وتوثيق الساعات وتسهيل التطوع للأفراد والفرق والجهات على مستوى الدولة، مع أدلة واضحة وإطار تنظيمي يمنح العمل التطوعي عمقه المؤسسي. المنصة مدعومة من مؤسسة الإمارات وبرامجها مثل “تكاتف” الذي انطلق منذ 2007، وموجّه لتمكين المجتمع من خدمة مجتمعه.
السعودية: الهدف المليوني.. وصل مبكّرًا
وضعت رؤية السعودية 2030 هدفًا طموحًا: مليون متطوع سنويًا بحلول 2030. ثم حدث ما يستحق التوقف؛ أعلنت المملكة أنّها تجاوزت الهدف قبل الموعد بستّ سنوات، وفق تصريحات رسمية نقلتها وسائل إعلام اقتصادية في ديسمبر 2024. المعنى الاجتماعي أعمق من الرقم: ثقافة المشاركة المدنية تتحوّل إلى عادة مؤسَّسة.
الأردن: “نحنُ” منصة توحّد الجهود
منصة “نَحْنُ”—بشراكة بين مؤسسة وليّ العهد و”نوى” و”يونيسف” ووزارة الشباب—تربط الشباب بفرص حقيقية في المحافظات كافة، وتوثّق مشاركاتهم، وتحوّل الرغبة الفردية إلى سجلّ خبرات يمكن البناء عليه. الأثر يتجاوز التطوع إلى المواطنة الفاعلة.
قطر ومصر: مراكز واستراتيجيات وإطارات إقليمية
في قطر، مركز قطر التطوعي—التابع لوزارة الثقافة—يلعب دور بوابةٍ ومزوّد للمتطوعين، ويغذّي الفعاليات الوطنية بالطاقات اللازمة.
وفي الإقليم الأوسع، أطلقت جامعة الدول العربية بالتعاون مع UNV في 2022 استراتيجية عربية للتطوع؛ خطوة مهمّة لتوحيد المفاهيم وتقوية الحوكمة وتبادل البيانات والخبرات.
ماذا يضيف اليوم العربي بعد عشرين عامًا من انطلاقه؟
لو سألنا: ما الذي تغيّر؟ أشياء كثيرة. صار للتطوع منصّات رقمية، وسلاسل قيمة تحفظ الأثر وتقيّمه، وتشابكات بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. ومع ذلك، يظل التحدي القديم حاضرًا: الاستدامة. كيف نحافظ على الحماس بعد انتهاء الفعالية؟ كيف لا يُختزل التطوع في صور جميلة؟
من تجربتنا العربية، تبدو الإجابة في ثلاثة مفاتيح:
- المأسسة: حين يكون لكل مبادرة لائحة، وميزان أثر، وقناة تمويل، يصبح احتمال بقائها أعلى. الإمارات والسعودية والأردن نماذج واضحة على فاعلية الأطر المنظمة والمنصات الوطنية.
- البيانات: لا إدارة بلا أرقام. من دون قياس، لا يمكن الإقناع بالنتائج أو الدفاع عن التمويل. هذا بالضبط ما تحاول معايير ILO/UNV معالجته (منهج قياس موحّد؛ تعريفات؛ فترة مرجعية؛ احتساب القيمة الاقتصادية).
- الاندماج مع السياسات العامّة: حين تُضمَّن ثقافة التطوع في استراتيجيات وطنية (رؤية، خطط شبابية، منصات حكومية)، يصبح المتطوع جزءًا من المشهد التنموي، لا ضيفًا كريمًا عليه. الاستراتيجية العربية للتطوع إشارة قوية في هذا الاتجاه.
سرديات صغيرة… ولكنها مُلهمة
- الطبيعة: فريق يزرع 500 شجرة عند مدخل مدينة. النتيجة ليست خضرة فقط؛ بل ذاكرة مكان.
- الصحة: مبادرة توعية مجانية في قرية نائية تقلّص مخاطر مرضٍ مزمن لعشرات الأسر.
- الثقافة: مهرجانٌ تطوعي في مدرسة حكومية يفتح عيون أطفالٍ على المسرح والقراءة.
هذه القصص—وأمثالها آلاف—هي “اقتصاد معنوي” إن صحّ التعبير. في رأيي، جزء من وظيفة الصحافة اليوم أن تُراكم هذه القصص، لا بوصفها لقطاتٍ مؤثرة وحسب، بل كمعرفة دقيقة عن كيف يحدث التغيير اجتماعيًا.
التحديات… بصراحة وهدوء - تفاوت البنى التحتية: ليست كلّ الدول تمتلك منصات ناضجة أو أطرًا قانونية تشجّع التطوع وتحميه من المخاطر.
- القياس والشفافية: تتفاوت آليات التوثيق والحصر، ما يجعل المقارنة والتخطيط صعبين، وقد يحجب إنجازاتٍ فعلية لا تُسجّل. تقترح أدلة ILO حلولًا عملية (استخدام مسوح القوى العاملة، فترة مرجعية لأربعة أسابيع، احتساب القيمة الاستبدالية للوقت).
- الاستنزاف النفسي: نعم، المتطوعون بشر؛ يجهدون، وقد يُصابون بـ “إرهاق المعنى”. البرامج الجيدة تفكّر في الرعاية النفسية، وفي الاعتراف الرمزي—والمهني—بساعات العطاء.
- الفجوة الرقمية: ازدهار التطوع عبر المنصات قد يستبعد فئات غير متصلة تقنيًا؛ هنا يلزم “جسر” ميدانيّ يضمن عدم ترك أحد خلف الركب.
الفرص الجديدة: من “الميكرو-تطوع” إلى الذكاء الاصطناعي - الميكرو-تطوع: مهام قصيرة جدًا، عن بُعد، يمكن إنجازها خلال 15–30 دقيقة: ترجمة نص، تدقيق بيانات، تصميم منشور توعوي. هذا النمط يسحب وقتًا ضائعًا—على الهامش—نحو نفعٍ عام.
- التطوع التخصصي: أطباء، مهندسون، مصمّمون، مختصو بيانات… حين تُدار ساعاتهم جيدًا، يصبح أثر الساعة الواحدة مضاعفًا.
- الذكاء الاصطناعي: من فرز الطلبات وتوزيع المتطوعين على المهام تلقائيًا، إلى تحليل الأثر بصريًا وكتابيًا؛ لكنه يحتاج حوكمة ومعايير أخلاقية واضحة.
- الجيل الشاب: المنصات العربية (Volunteers.ae، نحنُ، المركز القطري…) تُظهر أن الشباب لا يعوزهم الحماس، بل الإطار الذي يوجّه الحماس إلى أثر.
كيف نُحوّل اليوم إلى سياسة حياة؟
- اجعلوا التطوع جزءًا من الهوية المؤسسية: الشركات والجامعات والجهات الحكومية—كلٌّ بطريقته—يمكنه أن يخصص ساعات أو أيامًا مدفوعة للتطوع، ويُدرجها في تقييم الأداء والتخرّج.
- وثّقوا الأثر بذكاء: ليس بعدد الصور، بل بالمؤشرات: ساعات، مهارات، قصص تغيير قابلة للتحقق.
- ثقافة التدريب: المتطوع يحتاج تدريبًا وجاهزية، من الإسعافات الأولية إلى أخلاقيات التعامل مع المستفيدين.
- مظلّة قانونية: تشريعات بسيطة تحمي المتطوع والجهة المستفيدة، وتوضح المسؤوليات والتأمينات والخصوصية.
- تمويلٌ صغير… مستدام: منحٌ صغيرة مرنة تُبقي الفرق الصغيرة على قيد الأثر، بدل مطاردة رعايات موسمية متقطّعة.
- شراكات ذكية: بلدية + مدرسة + جمعية + شركة = مشروع حيّ واحد يتكرر في أحياء عدة.
- حكايات تُروى: سردُ الحكايات ليس ترفًا؛ هو ما يجعل المبادرة قابلةً للتكرار، ويمنح المتطوعين إحساس “الجدوى” الذي لا يعيش بدونه أي مشروع.
اليوم العربي للتطوع… مساحة رمزية تُنتج واقعًا
لا بأس ببعض العاطفة هنا. في رأيي، التطوع هو اللغة الأشدّ إنسانيةً؛ يفهمها الجميع بلا مترجم. حين نمنح ساعة، نضيف حجراً صغيرًا إلى جسرٍ طويل يصل الناس ببعضهم. 15 سبتمبر ليس افتتانًا ليومٍ واحد، بل موعد مراجعة: ماذا فعلنا خلال العام؟ وأين تعثّرنا؟ وماذا نتعهد أن نفعل قبل أن يعود هذا اليوم في العام المقبل؟
الخبر السارّ أنّ ثمة بنية إقليمية تتشكّل: استراتيجية عربية للتطوع، ومنصّات وطنية تعمل وتتعلم وتعدّل مساراتها، وأرقامٌ أممية تقول إن الموارد البشرية للمجتمعات أكبر بكثير مما نظن. المهم الآن أن نعطي لهذه البنية قلبًا نابضًا بالتصميم—وأن نحافظ على ذلك الإحساس الجميل بأننا، معًا، نستطيع.
والجدير بالذكر أن المستشار الدكتور خالد السلامي يشغل منصب عضو الأمانة العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي وممثل عنه في دولة الإمارات العربية المتحدة والمستشار الدكتور خالد السلامي حصل على “جائزة أفضل شخصيه تأثيرا في الوطن العربي ومجتمعية داعمه ” لعام 2024 وحصل المستشار الدكتور خالد السلامي – سفير السلام والنوايا الحسنة وسفير التنمية ورئيس مجلس إدارة جمعية أهالي ذوي الإعاقة على جائزة الشخصية المؤثرة لعام 2023 فئة دعم أصحاب الهمم .
وحاصل أيضًا! على افضل الشخصيات تأثيرا في الوطن العربي لعام 2023 ؛ ويعد” السلامي “عضو اتحاد الوطن العربي الدولي وعضو الأمانة العامة للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي .والممثل الرسمي للمركز في دولة الإمارات العربية المتحدة كما حاصل على “جائزة أفضل شخصيه مجتمعية داعمه “وذلك لعام 2024 وعضو في المنظمة الأمريكية للعلوم والأبحاث. و أن ” المستشار خالد “هو رئيس مجلس ذوي الهمم والإعاقة الدولي في فرسان السلام وعضو مجلس التطوع الدولي وأفضل القادة الاجتماعيين في العالم لسنة 2021.