في قلب العاصمة الرياض، ينهض مشروع المجمع الملكي للفنون كأحد أعمدة النهضة الثقافية التي تشهدها المملكة في إطار رؤية 2030، ليشكّل عند اكتماله أحد أبرز معالم حديقة الملك سلمان التي تُعد أكبر حدائق المدن في العالم بمساحة تزيد على ستة عشر كيلومترًا مربعًا، أي ما يعادل ستة عشر مليون متر مربع. وقد أُطلق مشروع الحديقة في 19 مارس 2019 على يد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- ليحظى منذ ذلك الحين بمتابعة واهتمام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- بما في ذلك العمل على تطوير مكوناته الرئيسة وفي مقدمتها المجمع الملكي للفنون. ومنذ الإعلان عن تفاصيل المجمع في مايو 2022، شرعت مؤسسة حديقة الملك سلمان في وضع الخطط التفصيلية وإطلاق الأعمال الإنشائية على مساحة تتجاوز نصف مليون متر مربع، لتشييد صرح ثقافي يزاوج بين العمارة السلمانية التي تعكس هوية المملكة وعمقها الحضاري، وبين الحداثة التي تواكب روح العصر. ويحتضن المجمع في قلبه متحف الثقافات العالمية الذي سيرتفع إلى 110 أمتار، ليكون منارة للتعريف بثقافات الشعوب وتعزيز الحوار بين الحضارات. وإلى جانبه سيقف المسرح الوطني بسعة 2,300 مقعد، مصمم لاستضافة أرقى العروض المسرحية والموسيقية، ليجسد الانفتاح الثقافي والحراك الفني الذي تشهده البلاد. كما سيضم المجمع المعهد الملكي للفنون التقليدية، المعروف باسم “ورث”، الذي يجمع تحت سقفه ثلاث أكاديميات متخصصة في الفنون البصرية التقليدية، والتراث الثقافي والترميم، والفنون المسرحية، لتخريج أجيال من الحرفيين والفنانين القادرين على الجمع بين الإبداع المعاصر وصون الموروث الثقافي.
وإلى جانب هذه المرافق الرئيسة، سيضم المجمع قاعة مخصصة لأعمال النحت توفر بيئة إبداعية للفنانين، إضافة إلى مسرحين وثلاث قاعات سينما مصممة لعرض أعمال فنية وثقافية مختارة، وقاعة كبرى لاحتضان إبداعات المبدعين من مختلف المجالات، فضلًا عن مكتبة متخصصة في الثقافة والفنون تحتوي على أكثر من 250 ألف كتاب، لتكون مرجعًا غنيًا للباحثين والمهتمين. أما التصميم المعماري للمجمع، فيعتمد على مبادئ العمارة السلمانية التي تمزج روح الأصالة والتراث بالحداثة، ليعكس الشخصية العمرانية الفريدة للمملكة في قالب عالمي.
ويقع المجمع داخل حديقة الملك سلمان التي توصف بأنها “الرئة الخضراء” للرياض، إذ تضم مسارًا دائريًا للمشاة بطول 7.2 كيلومترات، ومساحات مفتوحة تمتد لأكثر من 11 كيلومترًا مربعًا، وحوالي مليون شجرة تغطي أرجاءها، إلى جانب ارتباطها المباشر بشبكة الطرق الرئيسة ومحطات قطار وحافلات الرياض، مما يسهل وصول الزوار إليها من مختلف أنحاء المدينة.
منذ انطلاق مشروع الحديقة، شكّل المجمع الملكي للفنون رافدًا رئيسيًا لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، لاسيما في محور “مجتمع حيوي” الذي يركز على تحسين جودة الحياة من خلال توفير بيئات ثقافية وفنية متكاملة. وعند اكتماله، يُتوقع أن يسهم في ترسيخ مكانة الرياض كعاصمة ثقافية عالمية، وجذب الفعاليات الدولية الكبرى، وفتح آفاق جديدة أمام المبدعين والفنانين السعوديين للتواصل مع نظرائهم حول العالم، إضافة إلى إسهامه في رفع تصنيف المدينة بين أفضل مدن العالم للعيش بفضل بيئته الغنية بالثقافة والفنون والطبيعة.
بهذا الصرح، تمضي المملكة في مسيرتها الطموحة لتصبح منصة عالمية للفنون والثقافة، ويغدو المجمع الملكي للفنون شاهدًا على مزيج فريد يجمع بين الإرث العريق والانفتاح على المستقبل، ليقف في قلب الرياض كرمز حضاري يعكس طموحات الحاضر وآمال الغد.