في كل عام، تتجدد الدعوة إلى عالمٍ تكون فيه الرعاية الصحية مرادفًا للثقة والأمان. وفي السابع عشر من سبتمبر 2025، تحتفل منظمة الصحة العالمية باليوم العالمي لسلامة المرضى. هذا اليوم ليس مجرد تاريخ في الذاكرة، بل فرصة لترسيخ الوعي وتعزيز التعاون بين جميع الأطراف المعنية: المرضى أنفسهم، والعاملون في القطاع الصحي، وقادة الرعاية الصحية.
وتُقام حملة هذا العام تحت شعار “أحسنوا التشخيص، حافظوا على السلامة!”، مسلطة الضوء على الركيزة الأساسية للرعاية الآمنة: التشخيص الصحيح والمبكر. فسلامة المريض ليست رفاهية، بل هي جوهر أي نظام صحي يطمح إلى تحقيق أفضل النتائج، وحق أصيل لكل إنسان يطرق أبواب العلاج.
وتركز حملة 2025 بشكل حاسم على تحسين التشخيص كمدخل رئيسي لسلامة المرضى. فالتشخيص الخاطئ أو المتأخر لا يؤثر فقط في خطة العلاج، بل قد يقود إلى مضاعفات خطيرة، ونتائج صحية سلبية، بل وحتى الوفاة. وتشير الأبحاث إلى أن نحو 10% من الوفيات في المستشفيات الأمريكية مرتبطة بأخطاء تشخيصية، وأن ما يصل إلى 17% من الأحداث الضارة داخلها تعزى لأخطاء في التشخيص. كما تُظهر دراسات أخرى أن هذه الأخطاء قد تطال مريضًا واحدًا من كل 20 بالغًا في العيادات الخارجية سنويًا، أي ملايين الحالات المعرّضة للخطر.
وتؤكد المنظمات الصحية الدولية أن مشاركة المريض وأسرته في الرعاية الصحية عنصر حاسم للحد من الأخطاء وتعزيز السلامة. فقد أثبتت الدراسات أن هذه المشاركة يمكن أن تقلل عبء الضرر بنسبة 15%، وتخفض التكاليف العلاجية على الأنظمة الصحية بشكل ملموس. كما أن المرضى الذين يشاركون بفعالية في رعايتهم يتعرضون لأضرار أقل بنسبة 17% مقارنة بغيرهم. هذه الأرقام تبرز أن تمكين المريض ليكون شريكًا حقيقيًا ليس خيارًا ثانويًا، بل استراتيجية مثبتة لتعزيز السلامة.
ورغم الجهود المبذولة، لا يزال الطريق طويلاً؛ فالإحصاءات تشير إلى أن مريضًا واحدًا من كل عشرة مرضى يتعرض للضرر بسبب رعاية غير مأمونة، سواء نتيجة الأخطاء الدوائية، أو العدوى المكتسبة، أو الأخطاء الجراحية، أو التشخيص المتأخر. هذه الحقائق تدعو إلى تضافر الجهود لترسيخ ثقافة الشفافية والتواصل، وتزويد المرضى وأسرهم بالأدوات التي تمكّنهم من طرح الأسئلة، والتعبير عن المخاوف، وفهم خطط العلاج بوضوح.
عندما يصبح المريض شريكًا فاعلًا في عملية التشخيص والعلاج، فإن مستويات الأمان والجودة ترتفع بصورة ملحوظة، لينعكس ذلك إيجابًا على صحة الفرد وسلامة المجتمع بأسره.