أقرت السلطات الصحية في مصر بروتوكولا علاجيا جديدا، يهدف إلى سرعة التدخل الطبي في حالات التسمم بمادة “كلوروفينابير”، المبيد الحشري شديد السُمية، وذلك في أعقاب واقعة وفاة 6 أطفال أشقاء ووالدهم محافظة المنيا جنوبي القاهرة، التي أثارت جدلا واسعا لأسابيع حول ملابساتها.
وكانت النيابة العامة المصرية قررت قبل أيام، إحالة المتهمة في القضية إلى محكمة الجنايات بجلسة عاجلة، بعد اتهامها بقتل الضحايا عبر إعداد خبز ملوث بالمبيد السام وإرساله إلى الأطفال ووالدهم، مما تسبب في إصابتهم بأعراض حادة شملت القيء والحمى والتشنجات واضطراب الوعي، قبل وفاتهم جميعا.
وبحسب مصدر مطلع بوزارة الصحة المصرية تحدث لموقع “سكاي نيوز عربية”، عكفت لجنة علمية بقطاع الطب الوقائي على وضع بروتوكول علاجي شامل يتضمن المعلومات المتعلقة بمادة “كلوروفينابير”، والأعراض الناجمة عن تناولها، وآليات التعامل الطبي مع المصابين، على أن يتم تعميمه على المستشفيات العامة على مستوى الجمهورية.
وأثارت واقعة وفاة الأطفال الستة ووالدهم اهتمام الرأي العام المصري لأسابيع، بعدما سقط الضحايا تباعا في ظروف غامضة، تزامنا مع انتشار شائعات عن إصابتهم بالالتهاب السحائي، وهو ما سارعت وزارة الصحة إلى نفيه بشكل قاطع.
كيف اكتُشف المبيد؟
كشفت استشاري الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية بجامعة الإسكندرية نهاد جاد، أن وزارة الصحة طلبت منها الإشراف على إعداد بروتوكول علمي للتعامل مع حالات التسمم بمادة “كلوروفينابير”، مؤكدة أنها أعدت نسخة عربية وأخرى إنجليزية بالتعاون مع عدد من الأطباء والمختصين.
وأضافت في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “البروتوكول يتضمن خطوات عاجلة للعلاج إذا جرى اكتشاف التسمم خلال أول 24 ساعة، من بينها إجراء غسيل معدة متقن وغسيل كلوي لمدة يوم أو يومين للتخلص من المادة قبل وصولها إلى المخ”.
وعن طريقة فك لغز وفاة أطفال المنيا، أوضحت الطبيبة أن وزارة الصحة شكلت لجنة علمية من أساتذة بجامعات القاهرة وعين شمس وأسيوط والمنيا لدراسة ملابسات الحالات، وتم استدعاؤها لاحقا بعد أن تواصلت معها طبيبة من مستشفيات المنيا كانت تتابع حالات المصابين.
وأوضحت جاد، التي كانت وراء معرفة تسبب هذا المبيد في وفاة الأطفال: “تم إبلاغي بالأعراض التي عاناها الأطفال، وتشمل اضطراب الوعي وارتفاع درجة الحرارة والغثيان والقيء، ووقتها كان قد توفي بالفعل 5 أطفال ولم يتبق سوى الطفلة الأخيرة ووالدها، الذي جرى تحويله إلى مستشفى أسيوط الجامعي”.
وأشارت إلى أنها اشتبهت في التسمم بمبيد محدد يعرف باسم “كلوروفينابير”، وهو، بحسب وصفها، من المبيدات القليلة المعروفة بقدرتها على التسبب في ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة.
وأضافت أن التقارير الطبية أظهرت تآكل المادة البيضاء بالمخ والنخاع الشوكي، وهو أثر مميز لهذا المبيد، مما أكد شكوكها، لافتة إلى أن المادة المذكورة غير شائعة الاستخدام، مما يفسر عدم معرفة بعض الأطباء في القاهرة وصعيد مصر به.
وذكرت جاد أن وزارة الصحة دعتها لاجتماع طارئ برئاسة نائب وزير الصحة المصري عمرو قنديل، وبحضور أساتذة من جامعات القاهرة وعين شمس وأسيوط والمنيا، ومختصين في طب الأطفال، وخلال الاجتماع عُرضت تقارير الأشعة والتشخيص التي أكدت أن الكلوروفينابير يتميز بخصائص محددة، أبرزها أن سُميته تزداد عند تعرضه للحرارة، وهو ما يرجح أن الأطفال تناولوه في طعام مطهو أو ساخن.
كما أن المادة تختفي من الجسم خلال 4 ساعات فقط، بينما يبقى ناتج تكسيرها الأساسي المعروف باسم “تريلوبايريل” لفترة أطول قد تصل إلى 10 أيام، وهو أكثر سُمية بنحو 10 مرات من المادة الأصلية، وفق قولها.
وأشارت استشاري الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية، إلى أن “النتائج دفعت جهات التحقيق لمواجهة زوجة الأب، التي وُجهت إليها الشبهات في إدخال المبيد واستخدامه داخل الطعام، خاصة بعد فحص أدوات الطهي والمخبوزات في منزل الأسرة، حيث عثر على بقايا المبيد”.