
كتبت د ليلي الهمامي
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن
المسرح السياسي التونسي مسرح رديء:
تتزاحم وتتدافع الأحداث في راهننا التونسي هذه الأيام وهذه الفترة الاخيرة، تدافعا مثيرا للتفكير، مثيرا للاستغراب، مثيرا للدهشة، تدافعا غريبا… كأن التاريخ والقدر يلاعباننا بطريقة فيها الكثير من التهكم على ذكائنا، والكثير من التهكم على وعينا وضميرنا.
اليوم ذكرى تفجير حافلة الأمن الرئاسي، الذكرى التي وقعت خلال ايام قرطاج المسرحية منذ سنوات.
هذه الذكرى جمّعت يوم السبت مظاهرة حاشدة لكل معارضات النظام في ساحة حقوق الانسان، مظاهرة كدّست كل من هبّ ودبّ من تشكيلات، على شخصيات، على أشخاص، على أشباه سياسيبن على أشباه ممثلين مرتزقة على كل ما يمكن أن يوجد… مظاهرة جمّعت ذلك اللفيف المقرون الذي الّف بين قلوب أطراف تنافت، وتصارعت، وتقاتلت وأمعنت فيه… أطراف شاركت ظرف ما بعد 14 جانفي…
كل تلك الاطراف اشتركت في أمر غريب…
ولعله من سخرية القدر انها اجتمعت واحتجت وتجمعت قرب المسرح البلدي… تقليد جديد… تقليد لعله يحيل الى لا شعور جامع بين هذه القوى، او بالاحرى بين هذه الاطراف التي لمت شمل بقايا دستوريين وإسلاميين وبين بقايا أحزاب فاشلة أحزاب وصفت بكونها احزاب الاصفار المتكدسة… لعل هذه الاطراف تعي أنها في لعبة مسرحية، ولعل في هذا الاتفاق حول التجمع أمام المسرح البلدي اتفاق على أنهم في حفل تنكري، حفل تنكري بأقنعة لا يدل فيه الوجه عن حقيقته، فوراء كل وجه وجه آخر، وراءه قناع، ووراء كل نفي اثبات، ووراء كل نقد إقرار، ووراء كل تنديد يد ممدودة في الخفاء لمن وُصِف بكونه العدو، ويد ممدودة في الخفاء لمن وُصِف بكونه نقيض الحرية وعدو الحياة بل وقتال الأرواح…
هكذا هم هؤلاء، منذ أن خُلِقوا، منذ ان وُجدوا، منذ ان بُعِثَ بهم الى هذه الساحة، الى هذا الفضاء العام: عفن يتكدس على عفن،،، لكي لا يكون هذا ما يمكن أن يكفّر عن ذنب سنوات كانت فيها اليد العليا للارهاب، والقتل، وسفك الدماء…
هؤلاء قرروا هكذا وبكل بساطة… أن تطوى صفحة الاغتيالات السياسية… هكذا قرروا باسم الديمقراطية وحقوق الانسان، قرروا عن الشعب أن يتجاوز الشعب كل الانتهاكات التي تمت على تراب تونس، انتهاكات باسم مشايخ التكفير، ومشايخ الختان، ختان الفتيات، بين دعاة التخلف والرجعية، بين مشايخ الظلام الذين هبوا لتشريع ما لا يقبله الشعب التونسي، من أجل أسلمته على طريقة الايديولوجيا الظلامية!!!!
هكذا قرر رموز الديمقراطية بين ظفرين، بل بين 1000 ظفر، ان يضاجعوا مرة اخرى تلك التيارات التي أُنزِلت من سماء الدوحة، ومن سماء أنقرة، لكي تسحبَنا، عنوة، نحو القرون الوسطى.
المسرح السياسي التونسي مسرح رديء، لا يقدّم الا صوره اغتصاب لإرادة شعب مَقهور، مُغيّب، ومُجهّل لكنه أكيد، بدأ يستفيق