العربي فارس في إيذاء ذاته

كتبت د ليلي الهمامي
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن

مسألة أساسيّة في شخصيّة الإنسان العربي حاكما ومحكوما، مسألة الغضب،

والعنف، والعجز عن إيصال الرسالة… هنالك قصور في مستوى التعبير، هنالك قصور إتصالي. هنا بالطبع، أعتبر أن الظاهرة عامة، تترجمها حالات الاستبداد والقمع المجانية…

ثمة حالات مجانية للقمع والاستبداد. وأعتقد أن هذا يرتبط عضويا بالعجز عن الاقناع، العجز على الولوج إلى النفس، نفس المستمع نفس المتلقي. هذا العجز في شكله الايديولوجي، أو في شكله الخطابي، هو احدى الدوافع نحو العنف: “عندما أعجز عن الاقناع، عندما أعجز عن المواجهة الرمزية، عندما أعجز عن رسم الصورة المعبرة، عندما أعجز عن التحكم في الرمز، ألتجئ الى الصراخ، التجئ الى العنف، ألتجئ الى محاولة السيطرة على الاخر، الى تكفيره، إلى تخوينه….


هذا لا يخص طرفا او جهة او مؤسسة دون اخرى.
هذه من أهم ملامح الشخصية العربية. ولعل الإشكال يكمن في غياب تقاليد الحوار، في غياب منطق التنسيب…


نحن كعرب نعيش خارج سياق النسبية. نحن خارج سياق البنائية. المنطق البنائي الذي يحكم فلسفة العلم المعاصر، نحن خارجه.
نحن نعتبر أن الحقيقة، إما أن تكون مطلقة، وواحدة او لا تكون! وكل من هو خارج هذا المنطق هو على ضلال… نحن لا نزال نحكم على الأشياء والظواهر بمنطق الإجماع… لا نزال نعتبر أن “الإختلاف فتنة والفتنة أشد من القتل”.


نحتاج لضرب هذه النموذجية، التي تحدد التفكير والتي تحدد الفعل، والتي تشرّط ردود الفعل، فتجعل من رد الفعل من نفس جنس الفعل. إذا كان الفعل عنيفا، إذا كان الفعل متشنجا، فرد الفعل متشنج. إذا كان الفعل يخوّن فإن رد الفعل يكفّر… وهكذا دواليك من الخراب المستمر، المسترسل، الذي انحدرنا اليه يوم انشغلنا بالهمشيات، يوم التجأنا الى الربوة المريحة للمقدس المحنط… فنظرنا الى مصانع الفكر والمعرفة نظرة عدوانية.


غادرنا حقل المعرفة. غادرنا حقل العلم. غادرنا حقل الابداع الفني. وانشغلنا بتكفير من عرّى الجسد، وبتكفير من نقد الفكر الديني، ومن نقد الحاكم، ومن نسّب الأخلاق…


وجدنا نفوسنا في أدنى مراتب السلم الانساني.
المشغل هو هذا: علينا أن نكثر من التفكير. علينا أن ندمن على البحث والنقد، لعلنا نستفيق من هذه الكبوة.


إيماني بأن هامش الزمن المتاح أمامنا، ونحن في حاله هزيمة، يمنحنا لا محالة، امكانية أن نفكر، إمكانيه أن ننهض، إمكانية أن نخترق تلك المقدسات الزائفة، وتلك المحرمات الوهمية.

اترك تعليقاً