الرجل والمرأة … والسياسة في الوطن العربي !!!

كتبت د ليلي الهمامي
أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة لندن

“الرجل والمرأة” عنوان لا يغريني شخصيا، لكنني وجدت نفسي مكرهة على العودة الى هذا الموضوع الكلاسيكي الممجوج… عودة من خلال جملة التفاعلات التي لاحظتها، وتابعتها، وواكبتها وكنت موضوعا لها على شبكة التواصل الاجتماعي في صلة بمواضيع سياسية هامة، مثل العدوان على غزة وعديد القضايا الاخرى، التي أثرتها، والتي ساهمتُ في طرحها…
مسالة التهجم على كل كاتب “امراه”… الكاتب عندما يكون امراة، فهي تتعرض لأبشع أشكال الحط والتهجم والتجريح،،، بل أقول بان تلك التهجمات أدركتْ مستوى غير مسبوق من السفالة، من حيث الايحاءات الجنسية، من حيث محاولة كسر المعنويات، او خدش الحياء، في صلة بما يمكن ان يوحي بذلك المحرّم والمكبوت الجنسي…
عُدت الى هذا الموضوع، لأنه بالفعل غير طبيعي وغير مقبول، أن تكون المرىة العربية، مرة أخرى، في هذا السياق وهذا الظرف التاريخي، أن تكون معرضة لنفس التهجم، لنفس القصف، لعملية رجم تمارسها أطراف رجعيه متخلفه، منبعثه من القرون الوسطى،،، لكن ايضا اطراف اخرى، تتظاهر وتبدي حداثوية زائفة هي كالمساحيق… أطراف تركن لضعف حجتها الى التهجّم، والى اشكال السبّ والشتيمة والتعديقات الهابطة والدنيئة…
وجدت أنه ضروري ان نعود الى هذه المسالة، لانها في الواقع مسألة مفصلية، بين جبهتين؛ بين جبهة رجعية، تعتبر ان المرأة خطيئة وجودية، وأن المرأة لا يمكن أن يصدر عنها الا ما هو دنيء، وما هو دنس، وما هو هبوط وانحطاط وجودي أنطولوجي… وجبهة تعتبر أن المرأة مبدعة، أنها جزء يناصف الرجل، ويتناصف، ويتقاسم مع الرجل هذه الحياة الاجتماعية، وعنصر اساسي، لا مجال لتهميشه، وأنها نظير الرجل، من حيث القيمة الوجودية والاخلاقية.
بالطبع، ضروري أن أذكّر ببعض المعطيات، لمن يعقل. لماذا اقول بعض المعطيات… لانه اذا ما شُلَّ نصف المجتمع، فلا يمكن للمجتمع ان ينهض.
هذا مع انني اكرر وأعيد أنني لا احبذ هذا الصنف من المواضيع، لكنني اضطُررت لطرحه، لعلني احرك ذلك الساكن المخفي، الذي يعتبره وتعتبره بعض التيارات أنه غير جدير بان يطرح، وان الاولويات لا توجبُه، في حين انه في تقديري، الان، تحول الى أولوية… فانا أعتقد أن تطوير وتثوير المجتمع هو المدخل الضروري والاساسي لتغيير معطيات الواقع العربي.
في هذا السياق، معطيات البنك الدولي تفيد بأن سنه 2022 ، النساء في العالم العربي تمثلن نسبة 48.3% يعني تقريبا نصف المجتمع العربي. هذا رقم هام، ويؤشر الى ان الحديث عن المرأة هو معالجة او طرح لوضع نصف المجتمع العربي.
لكن لو نظرنا الى مؤشرات أخرى في علاقة بالشأن السياسي او الشأن العام، (المسأله السياسيه بالنسبة لي لا تعنيني بصفه خاصة. انا عندما اتحدث عن السياسه، اتحدث عن القياده، وادوار القياده داخل المجتمع) في المؤشر السياسي، لو نظرنا الى متوسط المعدل العالمي، متوسط أو معدل المؤشر العالمي لتمثيل المرأة في المجال السياسي، معدل تمثيلها في الاحزاب، في الحكومات، في البرلمانات عالميا هو 22.5% .
هذا المعدل في العالم العربي لم يصل الا الى 10.8% .. يعني أننا لم ندرك مستوى المعدل العالمي. لم ندرك حتى نصف المعدل العالمي.
هذا مؤشر اننا لم نتقدم على هذه الواجهة…
نحن، كعالم عربي، لم نتقدم على هذه الواجهة، وضروري أن أذكّر هنا بمسالة هامة، أن الانظمة العربية، كلاسيكيا، خلال ثمانينات وتسعينات وبداية الالفية، وظّـفت قضية المرأة، وحسّنت من حضور المرأة في بعض البرلمانات، لا لشيء الا لتمنع عنها أي عن الأنظمة، نقد الجمعيات الدولية، ونشطاء المجتمع المدني، والمعارضات، حول مسالة الحريات والحقوق…. يعني أن المرأة تحولت الى حجة توظَّف من أجل إعفاء الانظمة القديمة نفسها، من واجب احترام الحريات والحقوق…
وهذه بالطبع من التوظيفات او إحدى التوظيفات التي جعلت مسالة المرأة، مسألة ممجوجة، ومسألة فيها الكثير من الغش والزيف…
لذلك قلت إنني أحترز عندما أتناول هذه المسالة…
تماما كما ان مسألة التمثيل وفق الكوتا، مسألة تحتاج الى الكثير من النقاش.
إذا ما كانت الحظوظ متساوية داخل المجتمع، فلا سبيل ولا مجال الى توظيف هذا الاستثناء وهذا التمييز الايجابي، وما اصطلح على تسميته بالتمييز الايجابي.
لكن، اعود لاقول بأن مسألة المرأة، وطرح مسألة المرأة في العالم العربي، في هذا الظرف، اصبح مسألة حيوية، مسألة أساسية.
لا يمكن ان نتقدم، لا يمكن بناء ديمقراطية على أرضية مجتمع اقطاعي، متخلف، معادي للمرأة… أراد من أراد وكره من كره…
هذه مسألة مفصلية ومحورية؛ أن من يريد بناء مجتمع مفتوح، من يريد بناء مجتمع متسامح، من يريد بناء دولة القانون والمؤسسات، لا يمكنه القفز على هذه المسألة. وهنا وفي هذا المجال، هنالك بالطبع اختلاف جوهري بين، لا فقط مناطق سياسية او منظومات سياسية، بل ايضا بين تيارات فكرية، لا تزال تراهن على تغييب المرأة، ولا تزال تتعاطى مع المسألة، كما قلت، على سبيل الحجة المانعة لتناول مسألة الحقوق او المانعه لطرح حقيقة المسألة الديمقراطية داخل المجتمع…
مجتمع لا ديمقراطي، مجتمع يوظف الاشكال البغيضة للسحل، والقصف، والرجم، هو مجتمع غير مؤهل لأن يكون مجتمعا ديمقراطيا.
هذه حقيقة لا مجال لمدافعتها. لذلك أردت أن اطرح هذه المسألة، لعل البعض يريد ان يتفاعل من منطلق النزاهة الفكرية. لأن النزاهة الفكرية أصبحت عملة نادرة في هذا الواقع العربي المبعثر.
وفي الخاتمة، ولكي يكون قولي مؤسسا على معطيات، تؤكد المؤشرات ان نسبة خريجي الجامعات من الاناث، من النساء تجاوز ال 50%يمثل 70% في تونس و58% في المملكة العربية السعودية، بما يعني أن اكثر من نصف خريجي الجامعات هم من النساء. يعني حجة الكفاءة او القدرة على القيادة هي حجج مؤكدة لصالح المرأة،،، لذلك أقول مره أخرى، بان الموقف من المرأة والسياسات الداعمة المرأة، ستكون معيارا او احدى معايير الفرز السياسي، داخل المجتمع العربي… وهذا أمر طبيعي وهذا أمر منصوح به وهذا أمر واجب في تقديري.
د. ليلى الهمامي.

اترك تعليقاً