نجمة رياضات التحمل تُكمل تسلّق قمتي ماكالو (8,485 متراً) وكانغشينجونغا (8,586 متراً)، مع سعيها الدؤوب لتوسعة آفاق مشاركة المرأة العربية في الرياضات القصوى
تمكنت نيللي عطار، المتسلقة والرياضية المتخصصة برياضات التحمل، والمتخصصة في التوعية بأساليب العيش الصحية، من تخليد اسمها في سجلّات التاريخ، بعد أن أصبحت أول لبنانية تتسلق أعلى خمس قمم في العالم، وهي: إيفرست و K2 وكانغشينجونغا ولوتسي وماكالو.
كما أنها أول عربية تتسلق قمة K2 (البالغ ارتفاعها 8,611 متراً)، والتي تُعدّ على نطاق واسع أخطر جبل على وجه الأرض. ويُضاف هذا الإنجاز إلى سجلّ مذهل يضم أكثر من 40 قمة منتشرة في خمس قارات، ويدعم مسيرتها في تسلق جميع جبال العالم التي يزيد ارتفاعها عن 8,000 متر.
ومع أن هدفها بدأ بشكل عفوي في مطلع العام، لكنه سرعان ما تحوّل إلى واحدة من أكثر المحطات طموحاً في مسيرة نيللي الرائدة. وفي تعليقها على ذلك تقول: “في بداية هذا العام، كنت قد تسلّقت قمم إيفرست وK2 ولوتسي، وهي بالترتيب القمم الأولى والثانية والرابعة الأعلى عالمياً.
وكان المتبقي عليّ إنجازه تسلّق القمتين الثالثة والخامسة، ومن هنا وُلدت فكرة تسلق الخمسة الكبار. وفكّرت أنه سيكون أمراً مذهلاً أن أحقق هذا الإنجاز في الوقت الحالي، فقررت استهداف ماكالو، ونجحت أيضاً في تسلق كانغشينجونغا، ثالث أعلى قمة في العالم خلال هذا العام”.
لقد كانت رحلة تدريب نيللي عبارة عن درس متكامل في التكيّف مع الظروف التي قد تواجهها في مغامراتها. وبدأت مسيرتها في السعودية قبل أن تمتلك المنطقة البنية التحتية الرياضية الحقيقية، فاعتمدت على صعود الكثبان الرملية، وسلالم الأبراج، إلى جانب انتظامها في جلسات تدريبية صباحية لمحاكاة القدرة على التحمل، وهي المهارة اللازمة للتسلق. ومع انتقالها لاستهداف ارتفاعات أعلى، أضافت التدريبات الشتوية إلى روتينها، بما في ذلك الحمّامات الجليدية التي تساعد على تدريب الجهاز العصبي، فضلاً عن تقوية القدرة على تحمّل البرد.
وفي أسابيع التدريب المكثفة، كانت تتمرن حتى 15 ساعة مقسّمة على جلسات متعددة تستهدف أنظمة الطاقة المختلفة، أي القوة والتحمل والتعافي. وتقول في هذا الشأن: “عندما تتمكن من تحمّل الألم الآن يمكنك بلوغ القمة لاحقاً، وهذا ما يمنحني القوة خلال ساعات التدريب الطويلة، وبهذه الطريقة تمكنت من اكتساب منهج فكري لا يعرف الهزيمة والانكسار”.
ولم تختلف تحضيراتها لتسلق قمتي ماكالو وكانغشينجونغا، لكنها هذه المرة ابتعدت عن التدريب المنعزل، ووجدت القوة في التدريب الجماعي، مع توظيفها مزيجاً من التمارين العالية ومنخفضة الكثافة لتحفيز أنظمة الطاقة المختلفة، مستمدة طاقتها من الفريق المحيط بها. ويعكس هذا التحوّل تطوراً في نظرتها لاستعداداتها المتواصلة، ليس فقط من أجل بناء القوة الجسدية، بل أيضاً في استلهام الدافع من المجتمع والناس حولها.
وفي حديثها عن تجربة ماكالو، تقول نيللي: “في العاشر من مايو، بدأنا محاولة تسلق قمة ماكالو، وكانت من أكثر التجارب متعة. لقد شعرت حينها بقوة مذهلة في ذلك اليوم، وواصلت التحرك في حالة من التركيز الكامل لساعات طويلة من دون توقّف.
وصعدنا من المعسكر الثالث إلى القمة، ومن ثم عدنا مباشرة إلى المعسكر الأساسي في دفعة واحدة. لقد كان الطريق مكشوفاً وصعباً، لكن ما ساعدنا أن الطقس كان مثالياً، وتابعنا التسلق لساعات تحت ضوء القمر الكامل. لقد كان يوماً طويلاً، لكنه سيظل خالداً في أذهاننا”.
أما قمة كانغشينجونغا، فكانت قصة مختلفة، حيث خضنا يوم صعود طويل حافل بالتحديات القاسية. وفي تعليقها على تلك التجربة، تقول نيللي: “يتميّز كانغشينجونغا بأطول مسار يوم قمة بين جميع الجبال التي يتجاوز ارتفاعها 8,000 متر.
وتصل المسافة إلى 16 كيلومتراً، مع وجود ما يزيد على 1,300 متر من الارتفاع العمودي، انطلاقاً من المعسكر الرابع والعودة، ويكون كل ذلك فوق 8,000 متر من مستوى سطح البحر، وهذا يعني أن نسبة الأكسجين تعادل ثلث ما نتنفسه على مستوى البحر، وبالتالي فإن كل خطوة تكون أكثر إنهاكاً للقدرات الجسدية، ناهيك عن أثرها السلبي في استنزاف الحالة النفسية.
أضف إلى ذلك الحرارة المنخفضة التي تصل إلى 40 درجة مئوية تحت الصفر، وهبوب الرياح بسرعة 50 كيلومتراً في الساعة، كما تعرضت لسرقة اثنتين من قوارير الأوكسجين التي أحملها معي، الأمر الذي دفعني إلى حشد قوتي الداخلية الكامنة حتى أتمكن من مواصلة هذا التحدي”.
لقد استدعت الظروف القاسية توظيف كل ذرة من القوة الجسدية والنفسية. لكن بالنسبة إلى نيللي، ترى أن الدروس المستفادة من الجبال تتجاوز الارتفاعات. وتوضّح ذلك بقولها: “لا مكان للغرور هناك، فالجبل يعلّمك كل شيء، بما في ذلك الصمود وضرورة العمل الجماعي والتحلي بالتواضع والابتكار. وحتى عندما سُرقت قوارير الأوكسجين الخاصة بي على ارتفاع يزيد عن 8,000 متر في كانغشينجونغا، وجدنا طريقة للاستمرار”.
إن إنجازات نيللي ليست مجرد محطات شخصية، بل إنها تعتبر جزءاً من رؤية أكبر لتوسيع آفاق الطموحات للمرأة العربية في مجال الرياضة، وتشجيع المجتمعات في الشرق الأوسط على تبنّي أسلوب حياة نشط وصحي مع اكتساب القدرات على التكيف ومواجهة التحديات.
وتشرح نيللي ذلك بقولها: “إن كل ما أرجوه أن يدرك الناس حقيقة مهمة، وهي أنه بإمكاننا أن نعيش حياة مختلفة، وأن يشعروا بالإلهام للسعي بجد وعزيمة لتحقيق أحلامهم، وأن يثابروا لبلوغ غاياتهم الخاصة، وأن يتحلّوا بالشجاعة للقيام بذلك”.
ولا يقتصر الجانب الذي يجعل مسيرة نيللي استثنائية على الإنجازات الجسدية فقط، بل ينبغي النظر إلى نقطة انطلاقها، بدءاً من تأسيس أول استوديو لتعليم الرقص في السعودية، إلى تسلق أعلى القمم في العالم. كما أنها تسلقت عدداً من أكثر جبال الألب تحدياً، مثل ماترهورن والإيغر.
وتمكنت نيللي من خلال عملها أن تلعب دوراً أساسياً في تشكيل وتطوير البنية الرياضية في المملكة، لتُصبح واحدة من أبرز نجمات الرياضة في منطقة الشرق الأوسط. وتضيف: “آمل أن أكون قد فتحت الطريق للآخرين، وخاصة النساء في المنطقة، لترى كل امرأة أن ما تطمح إليه يمكن أن يتحول إلى واقع مُعاش”.
ومع استعدادها لخوض المرحلة التالية من حلمها الجريء، والمتمثلة في تسلق جميع جبال العالم التي يتجاوز ارتفاعها 8,000 متر، تواصل نيللي إلهام النساء في الوطن العربي ومناطق أخرى حول العالم، وذلك من خلال التسلح بالأمل والشجاعة والطموح.