في الفترة من الثالث والعشرين إلى التاسع والعشرين من سبتمبر 2025، تتجه الأنظار نحو الأسبوع العالمي للتبرع بالأعضاء.
هذه المناسبة ليست مجرد حدث توعوي، بل هي دعوة إنسانية عميقة تُجسد أسمى قيم العطاء، وتمنح الأمل لملايين المرضى الذين يعانون من الأمراض العضوية المزمنة أو الفشل العضوي. الهدف واضح: تصحيح المفاهيم الخاطئة ونشر الوعي حول الأهمية القصوى للتبرع بالأعضاء، سواء من المتبرعين الأحياء أو المتوفين دماغيًا، فكل تبرع يعني فرصة جديدة للحياة وتحسينًا جذريًا لجودتها. إنه خيار إنساني يُحدث فارقًا لا يُقدر بثمن في حياة من ينتظرون بصيص أمل.
إن التبرع يمتد ليشمل صورًا متعددة من العطاء. يستطيع الشخص الحي التبرع بجزء من الكبد، أو إحدى الكليتين، أو نخاع العظم، سواء لمتلقٍّ محدد أو غير محدد، مع الأخذ بالاعتبار الحاجة الطبية والتوافق الحيوي، فهذا النوع من التبرع يُقدم فرصة حياة فورية لمن هم في أمس الحاجة إليها، أما المتوفى دماغيًا، فتبرعه يمثل معجزة طبية حقيقية، فهو يستطيع أن يمنح الأمل لعدد أكبر بكثير من المرضى؛ حيث يستطيع التبرع بالقلب، والرئتين، والكبد، والكليتين، والبنكرياس، والأمعاء، والعظام، والقرنية، وصمامات القلب. الحقيقة المدهشة هنا أن المتوفى دماغيًا واحدًا يمكن أن يسهم في إنقاذ وتحسين حياة تسعة أشخاص، وهو ما يؤكد الأثر العظيم والبعيد المدى لهذا القرار الإنساني النبيل. من خلال نشر الوعي حول أهمية التبرع بالأعضاء، والتشجيع على التبرع بعد الوفاة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة المنتشرة، يمكننا أن نُقلص الفجوة الهائلة بين أعداد المرضى المحتاجين والمتبرعين المتاحين.
وتتبوأ المملكة مكانة متقدمة عالميًا في مجال التبرع وزراعة الأعضاء، مما يعكس التزامها العميق بتقديم الرعاية الصحية المتقدمة وتكريس قيم العطاء الإنساني. تحتل المملكة الترتيب الثاني عالميًا في التبرع من الأحياء، وذلك بمؤشر متبرع لكل مليون نسمة، مما يُظهر ثقافة التكافل الراسخة في المجتمع السعودي. كما تحتل الترتيب الثلاثين عالميًا للتبرع من المتوفين في مؤشر متبرع لكل مليون نسمة، وهو إنجاز يتطلب المزيد من التوعية لزيادة هذا الرقم الحيوي.
وتتحدث الأرقام عن نفسها، حيث بلغ إجمالي عدد الأعضاء المزروعة من الأحياء والمتوفين في عام 2023 في المملكة 2091 عضوًا، وهو رقم يعكس الجهود المضنية للمركز السعودي لزراعة الأعضاء والمؤسسات الصحية الشريكة، كما تدعم المملكة هذا القطاع الحيوي بوجود 30 برنامج زراعة أعضاء معتمدًا، مما يؤكد توفر البنية التحتية والخبرات اللازمة، ورغم هذه الجهود، لا يزال التحدي قائمًا: يوجد أكثر من 18 ألف مريض فشل كلوي مسجل في المنصة الوطنية للتبرع وزراعة الأعضاء “أثر”، بينما يتجاوز عدد الأشخاص الذين ينتظرون عملية زراعة كبد بكثير عدد أكباد المتبرعين المتاحة، وهؤلاء المرضى يعيشون معاناة يومية؛ فمصاب الفشل الكلوي يقضي ما يقارب 12 ساعة أسبوعيًا في مراكز الغسيل، وهو ما يؤثر بشكل مدمر على حياته العملية والاجتماعية.
إن دعم التبرع بالأعضاء يعني التخفيف من هذه المعاناة ومنح هؤلاء المرضى فرصة حقيقية لاستعادة حياتهم.